الثلاثاء، 17 يناير 2012
الإحالة في القرآن الكريم - المقدمة
الحمد للَّـه فاتحة كل خير، وتمام كل نعمة، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمَّدٍ أفصح العرب، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد، فهذا بحثٌ بعنوان «الإحالة في القرآن الكريم .. دراسة نحويَّة نصِّيَّة»، يقع في إطار العلاقة بين النّصِّ والقاعدة، ومعلومٌ أنَّ صلةَ القرآن الكريم بالدّرس اللغوي العربي بمستوياته المختلفة صلةٌ ظاهرةٌ قويةٌ، كما يتَّضِح من تصفُّح نتاج هذا الدّرس منذ بداياته التي سجَّلت دوره في النّشأة، وإلى وقتنا هذا.
وقد كان لهذه الصلة جانبان؛ الأول: هو النظر في القرآن الكريم بهدف استنباط قواعدَ وأحكامٍ عامّة للعربية (نحوية وبلاغية ولغوية)، أو خاصة به (أسلوبية)، والثاني: هو استخدام هذه القواعد في فهم القرآن الكريم والاستعانة بها في إدراك إعجازه، وقد تجلَّى الجانب الأول ـ على المستوى النحويّ مثلًا ـ في الكتب التي تتناول أبواب النحو ومسائلَهُ، كما تجلَّى الجانب الثاني في كتب إعراب القرآن وتوجيه قراءاته وكتب التفسير التي عُنيت بالنَّحو.
وتأتي أهمية هذه الدراسة من أنها تقوم على رصد ظاهرةٍ لغويةٍ نصِّيةٍ، وتحليل عناصرها، وبيان آثارها، في حدود القرآن الكريم. وهي ظاهرة لم تأخذ حظّها من الاستقلال ـ على أهميتها ـ في الدّرس اللُّغوي العربِي، فقد كَثُرَ تناوُلُها في الدِّراسات المعاصرة بوصفها جزءًا من ظاهرةٍ أعمَّ هي ظاهرة الرّبط، ولاشك أن العلاقة قائمةٌ بين الظاهرتين، لكنّ هذا أدى إلى إغفال بعض آثارها في فهم النّص وتأويله.
أما في الدراسات القديمة فلم تُعْطَ تصوُّرًا شاملًا يكشف عن عناصرها وعلاقاتها بشكل محدَّد، وإن كانت جميع خيوط هذا التَّصور تكاد تكون ماثلةً في تلك الدراسات، وهذا ما شكّل دافع الدّراسة عسى أن تقوم بسدِّ تلك الثغرة.
ولقد كان أمام دراسة هذه الظاهرة صعوبتان أساسيّتان كان عليها تخطِّيهما لمواصلة سيرها؛ أولاهما: تتعلق بضبط مفهوم مصطلح الإحالة نفسِه، إذ كان لابدَّ من إزالة كل غموض شاب استعمال هذا المصطلح في الدرسات النصّيَّة حتى تكون الظاهرة التي ينطبق عليها واضحةَ العناصر والعلاقات الكلية، وقد استغرق تجاوز هذه العقبة وقتًا غير قليل من فترة الدراسة، حتى تَكَشَّفَ الأمرُ عَنْ عدة مفاهيم متباينة ومتداخلة في الوقت نفسه لهذا المصطلح، وكان من الضروري حيال ذلك تحديد مفهوم متميز تقوم عليه الدراسة التحليلية في القرآن الكريم، وكان هذا المفهوم هو مفهومَ الإحالة العهدية الذي قدّم البحث مبررات اختياره له في موضعه.
أما الصعوبة الثانية فتمثلت في جديلةٍ من كثرة جزئيات الظاهرة من عناصر وعلاقات فرعية مع اتساع مجال التطبيق، فعلى الرغم مما يبدو من أنَّ القرآن الكريم يمثل مادةَ بحثٍ محصورة سلفًا فإنَّ ظاهرة الإحالة محلَّ البحث لا تكاد آيةٌ من آياته الكريمة تخلو منها، ومعنى هذا أن استعمال الاستقراء التام في الدراسة سيؤدي إلى تطاول الدراسة كمًّا وزمنًا، ومن ثمَّ كان التغلُّب على هذه الصعوبة باللُّجوء إلى الاستقراء الناقص.
وهذا يسلمنا إلى الحديث عن منهج البحث الذي اتبعْتُه في الدراسة النصيّة، وهو منهج تحليليّ يعتمد على الاستقراء الناقص ـ كما ذكرت ـ لاستخلاص أنماط الإحالة وعلاقاتها وتحديد آثارها. ويشير العنوان الفرعي لهذا البحث (دراسة نحوية نصيّة) إلى اعتماده في تحليله لعملية الإحالة في القرآن الكريم على معطيات «نحو النص» التي يمكن بلورة أهم محاورها في النقاط التالية:
1- وَصْلُ النصِّ اللغوي بالمقام.
2- الاهتمام ببيان عناصر الترابط والتماسك بين أجزاء النص.
3- السعي إلى فهم النص وتفسيره استنادًا إلى مقولات لغوية بالإضافة إلى مقولات غير لغوية، وما يرتبط بذلك من مشكلات مثل دور القارئ في تحديد المعنى.
4- تفسير عناصر النص في إطار وحدة كلية له، فدلالة المفردات والجمل خارج النص ليست هي بالضبط دلالتها داخله.
وتجدر هنا الإشارة إلى ثلاثة أمور:
أحدها: أنَّ الاستفادة من نحو النص لا يلغي الاعتماد على معطيات نحو الجملة إذ إنه من المقرر أنَّ «نحو الجملة يشكل جزءًا جوهريًّا من نحو النص»( ).
والثاني: أنَّ الانطلاق من معطيات نحو النص لا يعني إيثار النتاج الغربي فيه، بل المراد اعتماد القوالب الفكرية التي يتناولها هذا العلم، بغض النظر عن المادة (أي الآراء والتحليلات) أهي غربية أم عربية، تراثية أم محدثة، وذلك مراعاة لخصوصية النص القرآني من جهة، وإبرازًا للجهود العربية في هذا المضمار من جهة أخرى.
وأمَّا الثالث فهو أنَّ رعاية الأمر السابق قد أدَّت طبعيًّا إلى اتساع المجال المرجعي لهذه الدراسة، بمعنى تداخل الاختصاصات ـ كما عبر فان دايك ـ التي رفدت النظرَ والتحليلَ فيها، فبرز فيها الرجوع إلى كتب التفسير، وأصول الفقه، والمنطق، إلى جانب كتب النحو، والبلاغة العربية، وعلم الدلالة، فضلًاعن علم النص، ولا تعنى الاستفادة بالمجالات غير اللغوية غيابَ هُوِيَّةِ البحث بوصفه بحثًا لغويًّا نصيًّا؛ لأنَّ محور النظر الذي استقطب آراءً مختلفة المنابت هو الظاهرةُ اللغوية، فليست تلك الآراء خارجةً عن النظر اللغوي، وأرجو ألَّا أكون مغاليًا إنْ قلتُ: إنَّ الدرس اللغويَّ العربي في التراث ينبغي أنْ تتسع النظرة إليه لتشمل طرفًا من علمي الأصول والمنطق على المستوى النظري، والتفسيرَ وشروحَ الحديث على المستوى التطبيقي، فهي مجالات ثرية بالنظر اللغوي، وإنْ كانت تتغيَّا غاياتٍ أبعدَ مِنَ الأحكام اللغوية، وأنَّ العقلية التي أثمرتْ في هذه المجالات لم تكن منبتةَ الصلة عن العقلية التي أثمرتْ في علوم اللغة من نحو وبلاغة وفقه لغة، بل كانت ملتحمةً معها بصورةٍ ما.
وقد كان من أهم كتب التفسير التي اعتمدْتُ عليها روح المعاني لمحمود شكري الآلوسي، والتحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور، وذلك لعنايتهما بتفسير الألفاظ المحيلة وتتبع استعمالاتها والإشارة إلى أسرارها، خاصَّةً الثاني، ومن الدراسات النصية النص والخطاب والإجراء لدي بوجراند، وتحليل الخطاب لبراون ويول، وعلم النص مدخل متداخل الاختصاصات لفان دايك، ودراسة هاليداي ورقية حسن حول السبك في الإنجليزية، ومدخل إلى علم النص لزتسيسلاف ووارزنياك، إلى غير ذلك مما يرد في قائمة المصادر والمراجع.
أمَّا الدراسات السابقة المتعلقة بموضوع الإحالة في القرآن الكريم خصوصًا فأهمُّها بحث الدكتور سعيد بحيري بعنوان (من أشكال الربط في القرآن الكريم .. تضافر العناصر الإشارية والعناصر الإحالية في تماسك النص)( )، وهو جهد مشكور وخطوة على الطريق، لكنه اقتصر ـ وفقًا لرؤيته ـ على بعض المحيلات وهي: ضمير الذات، وضمير الشأن، وضمير الفصل، وضمير الإشارة، في حين تناولت دراستنا هذه إلى ذلك الإحالةَ بالاسم الموصول والمعرف بأل وبالإضافة والعلم.
كما أنَّه انطلق في تناول الإحالة من كونها وسيلةً للربط، في حين تجاوزت هذه الدراسةُ تلك النظرةَ فتناولت الإحالة على أنها ظاهرة مستقلة تتعالق بظواهر أخرى من أهمها الربط.
كما أنَّ الصورَ التي صاغها ذلك البحثُ لبنية الإحالة جاءت مركبةً مِنْ علاقتين تركيبيتين إحداهما إحالية والأخرى غير إحالية؛ أمَّا هذه الدراسة فقد انطلقت من الفصل بين القرينة والمحيل فجاءت كل العلاقات التركيبية غير الإحالية التي لها تأثير في الإحالة تحت القرينة، وبذلك تحددت الجهة الجامعة لها التي لأجلها كان لها وظيفة في عملية الإحالة، وأهمَلَتْ من تلك العلاقات التركيبية ما لا تأثير له في الإحالة.
وقد جاءت هذه الدراسة في مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب.
فأما المقدمة فأعرض فيها لأهمية البحث وصعوبات الدراسة ومنهج البحث وأهم الدراسات السابقة وعرض فصول البحث.
وأما التمهيد فتناولت فيه مصطلح الإحالة من حيث معناه اللغوي، واستعماله في الدرس اللغوي المعاصر، ومورده من اللغات الأوروبية.
وأما الباب الأول فجاء بعنوان (الإحالة وإشكال المفهوم)، وتناولت فيه مفاهيم الإحالة التي عثرت عليها في الدراسات اللغوية، وجاء في ستة فصول:
الفصل الأول: تناول الإحالة التداولية وأعني بها إرجاعَ المتكلم المخاطبَ صراحةً أو ضمنًا إلى نصٍّ أو شخصٍ أو شيءٍ أو حدثٍ لأجل استيثاقه أو تمام الفائدة أو التذكيرأو بيان الاتساق.
الفصل الثاني: تناول الإحالة الماصدقية وأعني بها العلاقة بين الكلمة ومدلولها الخارجي.
الفصل الثالث: تناول الإحالة الافتقارية وهي علاقة دلالية بين عنصرين من عناصر الخطاب يتوقف تفسير أحدهما على الآخر.
الفصل الرابع: تناول الإحالة بمعنى إعادة الذكر.
الفصل الخامس: تناول الإحالة الكلامية وهو مفهوم ينبني على الإحالة الماصدقية ناظرًا إليها بوصفها سمة علاقية ذات أنواعٍ لكلِّ فعلٍ كلاميٍّ، وليست مجردَ علاقة.
الفصل السادس: انتهيت فيه إلى مفهوم إجرائي أسميته بالإحالة العهدية وهو مرتبط بالمفاهيم السابقة لا سيما الإحالة الافتقارية، والإحالة وفقًا له علاقة لغوية بين لفظ وضع ليستعمل في الدلالة على معهود، وذلك المعهود بواسطة قرينة العهد.
وأما الباب الثاني فتناولت فيه أنماط الإحالة في القرآن الكريم، وقد جاء في ثلاثة فصول استقل كل منها بنمط:
فجاء الفصل الأول بعنوان: إحالة العهد الحضوري، وتناولت فيه ضبطَ مفهوم الحضور، ثم صورَ الخطاب في القرآن الكريم وأثرَها على الإطار الحضوري له مقسمًا إياه إلى خطاب مباشر وخطاب محكي، ثم تحولَ العهد الحضوري في القرآن الكريم إلى العهد الذكري تارةً والذهني تارةً أخرى.
وجاء الفصل الثاني بعنوان: إحالة العهد الذكري، وقسمت فيه القرينة الذكرية إلى ملفوظة وملحوظة، والملفوظة إلى مفردة ومتعددة ومركبة، وبينت كيفية ارتباط المحيل بالملفوظ المفرد بوصفه قرينة للعهد فيه، ثم تحدثت عن صور امتداد القرينة لما لها من أثر في تشكيل المحال إليه، وانتقلت إلى الملفوظ المتعدد فبينت المراد منه وصوره، ثم أثر التعدد فيما يتحمله المحيل من القرينة، ثم تحدثت عن الملفوظ المركب مبينًا المراد منه وصورَه.
أمَّا القرينة الملحوظة فقد ذكرت أوَّلًا ضابطها، ثُمَّ تحدثت عن مسالك لحظ القرينة من المنطوق، وجمعتها في خمسة مسالك هي: دلالة التضمن، ودلالة الالتزام، وحمل ضمير الغيبة على ما سبق خطابه، وتجريد المعنى الكلي لعبارة مركبة، ولحظ العلاقات النحوية الدلالية. كل ذلك من خلال آيات القرآن الكريم.
وجاء الفصل الثالث بعنوان: إحالة العهد الذهني، وتناولت فيه أوَّلًا ضابط العهد الذهني، مناقشًا فكرة الفرق بينه وبين الذكري المتباعد، وتناولت ثانيًا روافد العهد الذهني لدى متلقي القرآن الكريم بعد زمن النزول، وقد تكشف منها ثلاثة؛ أوَّلُها أسباب النزول، وتحدثت تحت هذا الرافد عن مسألة عموم اللفظ وخصوص السبب لما لها من أثر في إثبات عملية الإحالة لبعض المعرفات ونفيها عنها. والرافد الثاني السِّيَر، وضربت بعض الأمثلة لما يتوقف في تعيينه على المعرفة بالسير، مبيِّنًا أنَّ أعلام الأنبياء الواردة في القرآن الكريم تندرج تحت هذا الرافد. والرافد الثالث السياق العام لنزول القرآن الكريم، وبينت فيه أبرزَ المحيلات التي يستعانُ بهذا الرافد على تعيينِ المحالِ إليه بها.
وأما الباب الثالث فتناولت فيه آثار الإحالة، وعلاقاتها النصية وجاء في ثلاثة فصول، هي: التعيين والربط والإجمال.
فأمَّا الفصل الأوَّل (التعيين) فقد حاولت فيه استخلاص العوامل التي يقوم عليها تحديد درجة تعيين العناصر المحيلة من خلال تحليل موضعين من القرآن الكريم أحدهما من سورة التحريم والآخر من سورة يوسف، وتوصلت إلى ستة عوامل، ثم انتقلت إلى الفكرة المقابلة للتعيين في الاستعمال القرآني وهي إهمال العهد، وبينت أنَّ لها مسلكين هما إهمال العهد المتحقق بالفعل، وإهمال العهد المتوقع.
وأمَّا الفصل الثاني (الربط) فقد تحدثت فيه أوَّلًا عن الربط الجُمْليِّ مركزًا على الربط بغير الضمير من المحيلات، ثم انتقلت إلى الربط النصِّيِّ فحددت موقع الإحالة العهدية من السبك والحبك، وعلاقتها بكل من التكرار والاستبدال بوصفهما من وسائل الربط النصيِّ أيضًا، وأعقبت ذلك بتحليل تطبيقي لسورة الدخان يبرز دور الإحالة العهدية في الربط النصي في القرآن الكريم.
وأمَّا الفصل الثالث (الإجمال) فقد تناولت فيه تحديد مفهوم الإجمال وهو بإيجاز تعدد احتمالات اللفظ مع التساوي، ثمَّ بينتُ كيف ينشأ هذا الإجمال في الكلام بسبب الإحالة، وتعرضت بعد ذلك لفكرة تردد الأوجه المحتملة بين كونها من أسباب الثراء الدلالي تارةً واحتياجها إلى مرجح لأحدها تارةً أخرى، وتناولت من المرجحات المطابقة والقرب واتحاد النسق والعموم.
وأخيرًا جاءت الخاتمة مستعرضة أهم نتائج البحث.
وأسأل اللَّـه عزَّ وجلَّ السداد والتوفيق في القول والعمل.
والحمد للَّـه أوَّلًا وآخرًا.
تامر أنيس
وبعد، فهذا بحثٌ بعنوان «الإحالة في القرآن الكريم .. دراسة نحويَّة نصِّيَّة»، يقع في إطار العلاقة بين النّصِّ والقاعدة، ومعلومٌ أنَّ صلةَ القرآن الكريم بالدّرس اللغوي العربي بمستوياته المختلفة صلةٌ ظاهرةٌ قويةٌ، كما يتَّضِح من تصفُّح نتاج هذا الدّرس منذ بداياته التي سجَّلت دوره في النّشأة، وإلى وقتنا هذا.
وقد كان لهذه الصلة جانبان؛ الأول: هو النظر في القرآن الكريم بهدف استنباط قواعدَ وأحكامٍ عامّة للعربية (نحوية وبلاغية ولغوية)، أو خاصة به (أسلوبية)، والثاني: هو استخدام هذه القواعد في فهم القرآن الكريم والاستعانة بها في إدراك إعجازه، وقد تجلَّى الجانب الأول ـ على المستوى النحويّ مثلًا ـ في الكتب التي تتناول أبواب النحو ومسائلَهُ، كما تجلَّى الجانب الثاني في كتب إعراب القرآن وتوجيه قراءاته وكتب التفسير التي عُنيت بالنَّحو.
وتأتي أهمية هذه الدراسة من أنها تقوم على رصد ظاهرةٍ لغويةٍ نصِّيةٍ، وتحليل عناصرها، وبيان آثارها، في حدود القرآن الكريم. وهي ظاهرة لم تأخذ حظّها من الاستقلال ـ على أهميتها ـ في الدّرس اللُّغوي العربِي، فقد كَثُرَ تناوُلُها في الدِّراسات المعاصرة بوصفها جزءًا من ظاهرةٍ أعمَّ هي ظاهرة الرّبط، ولاشك أن العلاقة قائمةٌ بين الظاهرتين، لكنّ هذا أدى إلى إغفال بعض آثارها في فهم النّص وتأويله.
أما في الدراسات القديمة فلم تُعْطَ تصوُّرًا شاملًا يكشف عن عناصرها وعلاقاتها بشكل محدَّد، وإن كانت جميع خيوط هذا التَّصور تكاد تكون ماثلةً في تلك الدراسات، وهذا ما شكّل دافع الدّراسة عسى أن تقوم بسدِّ تلك الثغرة.
ولقد كان أمام دراسة هذه الظاهرة صعوبتان أساسيّتان كان عليها تخطِّيهما لمواصلة سيرها؛ أولاهما: تتعلق بضبط مفهوم مصطلح الإحالة نفسِه، إذ كان لابدَّ من إزالة كل غموض شاب استعمال هذا المصطلح في الدرسات النصّيَّة حتى تكون الظاهرة التي ينطبق عليها واضحةَ العناصر والعلاقات الكلية، وقد استغرق تجاوز هذه العقبة وقتًا غير قليل من فترة الدراسة، حتى تَكَشَّفَ الأمرُ عَنْ عدة مفاهيم متباينة ومتداخلة في الوقت نفسه لهذا المصطلح، وكان من الضروري حيال ذلك تحديد مفهوم متميز تقوم عليه الدراسة التحليلية في القرآن الكريم، وكان هذا المفهوم هو مفهومَ الإحالة العهدية الذي قدّم البحث مبررات اختياره له في موضعه.
أما الصعوبة الثانية فتمثلت في جديلةٍ من كثرة جزئيات الظاهرة من عناصر وعلاقات فرعية مع اتساع مجال التطبيق، فعلى الرغم مما يبدو من أنَّ القرآن الكريم يمثل مادةَ بحثٍ محصورة سلفًا فإنَّ ظاهرة الإحالة محلَّ البحث لا تكاد آيةٌ من آياته الكريمة تخلو منها، ومعنى هذا أن استعمال الاستقراء التام في الدراسة سيؤدي إلى تطاول الدراسة كمًّا وزمنًا، ومن ثمَّ كان التغلُّب على هذه الصعوبة باللُّجوء إلى الاستقراء الناقص.
وهذا يسلمنا إلى الحديث عن منهج البحث الذي اتبعْتُه في الدراسة النصيّة، وهو منهج تحليليّ يعتمد على الاستقراء الناقص ـ كما ذكرت ـ لاستخلاص أنماط الإحالة وعلاقاتها وتحديد آثارها. ويشير العنوان الفرعي لهذا البحث (دراسة نحوية نصيّة) إلى اعتماده في تحليله لعملية الإحالة في القرآن الكريم على معطيات «نحو النص» التي يمكن بلورة أهم محاورها في النقاط التالية:
1- وَصْلُ النصِّ اللغوي بالمقام.
2- الاهتمام ببيان عناصر الترابط والتماسك بين أجزاء النص.
3- السعي إلى فهم النص وتفسيره استنادًا إلى مقولات لغوية بالإضافة إلى مقولات غير لغوية، وما يرتبط بذلك من مشكلات مثل دور القارئ في تحديد المعنى.
4- تفسير عناصر النص في إطار وحدة كلية له، فدلالة المفردات والجمل خارج النص ليست هي بالضبط دلالتها داخله.
وتجدر هنا الإشارة إلى ثلاثة أمور:
أحدها: أنَّ الاستفادة من نحو النص لا يلغي الاعتماد على معطيات نحو الجملة إذ إنه من المقرر أنَّ «نحو الجملة يشكل جزءًا جوهريًّا من نحو النص»( ).
والثاني: أنَّ الانطلاق من معطيات نحو النص لا يعني إيثار النتاج الغربي فيه، بل المراد اعتماد القوالب الفكرية التي يتناولها هذا العلم، بغض النظر عن المادة (أي الآراء والتحليلات) أهي غربية أم عربية، تراثية أم محدثة، وذلك مراعاة لخصوصية النص القرآني من جهة، وإبرازًا للجهود العربية في هذا المضمار من جهة أخرى.
وأمَّا الثالث فهو أنَّ رعاية الأمر السابق قد أدَّت طبعيًّا إلى اتساع المجال المرجعي لهذه الدراسة، بمعنى تداخل الاختصاصات ـ كما عبر فان دايك ـ التي رفدت النظرَ والتحليلَ فيها، فبرز فيها الرجوع إلى كتب التفسير، وأصول الفقه، والمنطق، إلى جانب كتب النحو، والبلاغة العربية، وعلم الدلالة، فضلًاعن علم النص، ولا تعنى الاستفادة بالمجالات غير اللغوية غيابَ هُوِيَّةِ البحث بوصفه بحثًا لغويًّا نصيًّا؛ لأنَّ محور النظر الذي استقطب آراءً مختلفة المنابت هو الظاهرةُ اللغوية، فليست تلك الآراء خارجةً عن النظر اللغوي، وأرجو ألَّا أكون مغاليًا إنْ قلتُ: إنَّ الدرس اللغويَّ العربي في التراث ينبغي أنْ تتسع النظرة إليه لتشمل طرفًا من علمي الأصول والمنطق على المستوى النظري، والتفسيرَ وشروحَ الحديث على المستوى التطبيقي، فهي مجالات ثرية بالنظر اللغوي، وإنْ كانت تتغيَّا غاياتٍ أبعدَ مِنَ الأحكام اللغوية، وأنَّ العقلية التي أثمرتْ في هذه المجالات لم تكن منبتةَ الصلة عن العقلية التي أثمرتْ في علوم اللغة من نحو وبلاغة وفقه لغة، بل كانت ملتحمةً معها بصورةٍ ما.
وقد كان من أهم كتب التفسير التي اعتمدْتُ عليها روح المعاني لمحمود شكري الآلوسي، والتحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور، وذلك لعنايتهما بتفسير الألفاظ المحيلة وتتبع استعمالاتها والإشارة إلى أسرارها، خاصَّةً الثاني، ومن الدراسات النصية النص والخطاب والإجراء لدي بوجراند، وتحليل الخطاب لبراون ويول، وعلم النص مدخل متداخل الاختصاصات لفان دايك، ودراسة هاليداي ورقية حسن حول السبك في الإنجليزية، ومدخل إلى علم النص لزتسيسلاف ووارزنياك، إلى غير ذلك مما يرد في قائمة المصادر والمراجع.
أمَّا الدراسات السابقة المتعلقة بموضوع الإحالة في القرآن الكريم خصوصًا فأهمُّها بحث الدكتور سعيد بحيري بعنوان (من أشكال الربط في القرآن الكريم .. تضافر العناصر الإشارية والعناصر الإحالية في تماسك النص)( )، وهو جهد مشكور وخطوة على الطريق، لكنه اقتصر ـ وفقًا لرؤيته ـ على بعض المحيلات وهي: ضمير الذات، وضمير الشأن، وضمير الفصل، وضمير الإشارة، في حين تناولت دراستنا هذه إلى ذلك الإحالةَ بالاسم الموصول والمعرف بأل وبالإضافة والعلم.
كما أنَّه انطلق في تناول الإحالة من كونها وسيلةً للربط، في حين تجاوزت هذه الدراسةُ تلك النظرةَ فتناولت الإحالة على أنها ظاهرة مستقلة تتعالق بظواهر أخرى من أهمها الربط.
كما أنَّ الصورَ التي صاغها ذلك البحثُ لبنية الإحالة جاءت مركبةً مِنْ علاقتين تركيبيتين إحداهما إحالية والأخرى غير إحالية؛ أمَّا هذه الدراسة فقد انطلقت من الفصل بين القرينة والمحيل فجاءت كل العلاقات التركيبية غير الإحالية التي لها تأثير في الإحالة تحت القرينة، وبذلك تحددت الجهة الجامعة لها التي لأجلها كان لها وظيفة في عملية الإحالة، وأهمَلَتْ من تلك العلاقات التركيبية ما لا تأثير له في الإحالة.
وقد جاءت هذه الدراسة في مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب.
فأما المقدمة فأعرض فيها لأهمية البحث وصعوبات الدراسة ومنهج البحث وأهم الدراسات السابقة وعرض فصول البحث.
وأما التمهيد فتناولت فيه مصطلح الإحالة من حيث معناه اللغوي، واستعماله في الدرس اللغوي المعاصر، ومورده من اللغات الأوروبية.
وأما الباب الأول فجاء بعنوان (الإحالة وإشكال المفهوم)، وتناولت فيه مفاهيم الإحالة التي عثرت عليها في الدراسات اللغوية، وجاء في ستة فصول:
الفصل الأول: تناول الإحالة التداولية وأعني بها إرجاعَ المتكلم المخاطبَ صراحةً أو ضمنًا إلى نصٍّ أو شخصٍ أو شيءٍ أو حدثٍ لأجل استيثاقه أو تمام الفائدة أو التذكيرأو بيان الاتساق.
الفصل الثاني: تناول الإحالة الماصدقية وأعني بها العلاقة بين الكلمة ومدلولها الخارجي.
الفصل الثالث: تناول الإحالة الافتقارية وهي علاقة دلالية بين عنصرين من عناصر الخطاب يتوقف تفسير أحدهما على الآخر.
الفصل الرابع: تناول الإحالة بمعنى إعادة الذكر.
الفصل الخامس: تناول الإحالة الكلامية وهو مفهوم ينبني على الإحالة الماصدقية ناظرًا إليها بوصفها سمة علاقية ذات أنواعٍ لكلِّ فعلٍ كلاميٍّ، وليست مجردَ علاقة.
الفصل السادس: انتهيت فيه إلى مفهوم إجرائي أسميته بالإحالة العهدية وهو مرتبط بالمفاهيم السابقة لا سيما الإحالة الافتقارية، والإحالة وفقًا له علاقة لغوية بين لفظ وضع ليستعمل في الدلالة على معهود، وذلك المعهود بواسطة قرينة العهد.
وأما الباب الثاني فتناولت فيه أنماط الإحالة في القرآن الكريم، وقد جاء في ثلاثة فصول استقل كل منها بنمط:
فجاء الفصل الأول بعنوان: إحالة العهد الحضوري، وتناولت فيه ضبطَ مفهوم الحضور، ثم صورَ الخطاب في القرآن الكريم وأثرَها على الإطار الحضوري له مقسمًا إياه إلى خطاب مباشر وخطاب محكي، ثم تحولَ العهد الحضوري في القرآن الكريم إلى العهد الذكري تارةً والذهني تارةً أخرى.
وجاء الفصل الثاني بعنوان: إحالة العهد الذكري، وقسمت فيه القرينة الذكرية إلى ملفوظة وملحوظة، والملفوظة إلى مفردة ومتعددة ومركبة، وبينت كيفية ارتباط المحيل بالملفوظ المفرد بوصفه قرينة للعهد فيه، ثم تحدثت عن صور امتداد القرينة لما لها من أثر في تشكيل المحال إليه، وانتقلت إلى الملفوظ المتعدد فبينت المراد منه وصوره، ثم أثر التعدد فيما يتحمله المحيل من القرينة، ثم تحدثت عن الملفوظ المركب مبينًا المراد منه وصورَه.
أمَّا القرينة الملحوظة فقد ذكرت أوَّلًا ضابطها، ثُمَّ تحدثت عن مسالك لحظ القرينة من المنطوق، وجمعتها في خمسة مسالك هي: دلالة التضمن، ودلالة الالتزام، وحمل ضمير الغيبة على ما سبق خطابه، وتجريد المعنى الكلي لعبارة مركبة، ولحظ العلاقات النحوية الدلالية. كل ذلك من خلال آيات القرآن الكريم.
وجاء الفصل الثالث بعنوان: إحالة العهد الذهني، وتناولت فيه أوَّلًا ضابط العهد الذهني، مناقشًا فكرة الفرق بينه وبين الذكري المتباعد، وتناولت ثانيًا روافد العهد الذهني لدى متلقي القرآن الكريم بعد زمن النزول، وقد تكشف منها ثلاثة؛ أوَّلُها أسباب النزول، وتحدثت تحت هذا الرافد عن مسألة عموم اللفظ وخصوص السبب لما لها من أثر في إثبات عملية الإحالة لبعض المعرفات ونفيها عنها. والرافد الثاني السِّيَر، وضربت بعض الأمثلة لما يتوقف في تعيينه على المعرفة بالسير، مبيِّنًا أنَّ أعلام الأنبياء الواردة في القرآن الكريم تندرج تحت هذا الرافد. والرافد الثالث السياق العام لنزول القرآن الكريم، وبينت فيه أبرزَ المحيلات التي يستعانُ بهذا الرافد على تعيينِ المحالِ إليه بها.
وأما الباب الثالث فتناولت فيه آثار الإحالة، وعلاقاتها النصية وجاء في ثلاثة فصول، هي: التعيين والربط والإجمال.
فأمَّا الفصل الأوَّل (التعيين) فقد حاولت فيه استخلاص العوامل التي يقوم عليها تحديد درجة تعيين العناصر المحيلة من خلال تحليل موضعين من القرآن الكريم أحدهما من سورة التحريم والآخر من سورة يوسف، وتوصلت إلى ستة عوامل، ثم انتقلت إلى الفكرة المقابلة للتعيين في الاستعمال القرآني وهي إهمال العهد، وبينت أنَّ لها مسلكين هما إهمال العهد المتحقق بالفعل، وإهمال العهد المتوقع.
وأمَّا الفصل الثاني (الربط) فقد تحدثت فيه أوَّلًا عن الربط الجُمْليِّ مركزًا على الربط بغير الضمير من المحيلات، ثم انتقلت إلى الربط النصِّيِّ فحددت موقع الإحالة العهدية من السبك والحبك، وعلاقتها بكل من التكرار والاستبدال بوصفهما من وسائل الربط النصيِّ أيضًا، وأعقبت ذلك بتحليل تطبيقي لسورة الدخان يبرز دور الإحالة العهدية في الربط النصي في القرآن الكريم.
وأمَّا الفصل الثالث (الإجمال) فقد تناولت فيه تحديد مفهوم الإجمال وهو بإيجاز تعدد احتمالات اللفظ مع التساوي، ثمَّ بينتُ كيف ينشأ هذا الإجمال في الكلام بسبب الإحالة، وتعرضت بعد ذلك لفكرة تردد الأوجه المحتملة بين كونها من أسباب الثراء الدلالي تارةً واحتياجها إلى مرجح لأحدها تارةً أخرى، وتناولت من المرجحات المطابقة والقرب واتحاد النسق والعموم.
وأخيرًا جاءت الخاتمة مستعرضة أهم نتائج البحث.
وأسأل اللَّـه عزَّ وجلَّ السداد والتوفيق في القول والعمل.
والحمد للَّـه أوَّلًا وآخرًا.
تامر أنيس
الإحالة في القرآن الكريم - الملخص
هذا بحث بعنوان «الإحالة في القرآن الكريم .. دراسة نحويَّة نصِّيَّة»، يقوم على رصد ظاهرة الإحالة وتحليلها في القرآن الكريم.
ويتألف هذا البحث من مقدمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب، وخاتمة.
تناولت المقدمة أهمية الموضوع والغاية من دراسته، والصعوبات التي واجهته، ومنهجه، والدراسات السابقة في مجاله، ثم بيان فصوله وأهم مباحثه.
أمّا التمهيد فعنوانه «الإحالة: سيرة المصطلح»، وتناول مفهوم الإحالة في اللغة، ثم تتبع استعمال المصطلح قديمًا وحديثًا، ثم تعرض لمورد المصطلح ومقابلاته في اللغات الأوروبية.
وكان الباب الأول بعنوان «الإحالة وإشكال المفهوم»، وحاول أن يخلص المفاهيم المتشابكة لمصطلح (الإحالة) في الدرس اللغوي، فتوصل إلى خمسة مفاهيم أساسية هي: الإحالة التداولية، والإحالة الماصدقية، والإحالة بمعنى إعادة الذكر، والإحالة الافتقارية، والإحالة الكلامية. ثم حدد مفهومًا إجرائيًّا للبحث معتمدًا على مفهوم الإحالة الافتقارية أسماه الإحالة العهدية، وهي في اصطلاح البحث علاقة لغوية بين لفظٍ وضع ليستعمل في الدلالة على مُعَيَّن معهود، وذلك المعهود المعين، بواسطة قرينة العهد.
وكان الباب الثاني بعنوان «أنماط الإحالة في القرآن الكريم» حاول أن يرصد هذه الأنماط بناء على طبيعة قرينة العهد، فجاءت ثلاثةَ أنماطٍ كبرى هي: إحالة العهد الحضوري، وإحالة العهد الذكري، وإحالة العهد الذهني، استقل كل منها بمبحث. وبين البحث خلال ذلك إمكانية تحول العهد من حضوري إلى ذكري أو ذهني بناء على التفريق بين مقام النزول ومقام التلاوة في الخطاب القرآني. كما قسم البحث القرينة الذكرية إلى ملفوظة وملحوظة، وقسم الملفوظة إلى مفردة ومتعددة ومركبة، وقسم الملحوظة من جهة طريقة لحظها إلى ما يفهم بدلالة التضم، وما يفهم بدلالة الالتزام، وما يعتمد على قرينة محيل آخر، والمعنى الكلي للعبارة، ولحظ العلاقات النحوية الدلالية. كما بَيَّنَ روافد العهد الذهني وهي: أسباب النزول، والسير، والسياق العام لنزول القرآن الكريم.
وكان الباب الثالث بعنوان «آثار الإحالة وعلاقاتها النصية في القرآن الكريم»، وتناول ثلاثة آثار مهمة للإحالة هي: التعيين، والربط، والإجمال، استقل كل منها بفصل، وتناول خلال هذه الفصول الثلاثة علاقات الإحالة بظواهر أخرى كالمطابقة والمسافة والتكرار والاستبدال. وقد تناول فصل التعيين عواملَ تحديد درجة التعيين، وعَدَّ منها ما يرجع إلى ماهية المحال إليه، وما يرجع إلى وسيلة إدراكه، وما يرجع إلى حدود التعيين، وما يرجع إلى وجود القرينة وعدمها، وما يرجع إلى احتمال القرينة، وما يرجع إلى كم المعلومات لدى المتلقي عن المحال إليه، ثم تناول إهمال العهد المتحقق، وإهمال العهد المتوقع.
وتناول فصلُ الربط: الربطَ الجُمْلِيّ مركزًا على الربط بغير الضمير من المحيلات، والربطَ النصيَّ مبينًا موقع الإحالة من السبك والحبك، وعلاقتَها بالتكرار والاستبدال، ثم قال بتحليل تطبيقي للربط بالإحالة في سورة الدخان.
وتناول فصلُ الإجمال: مفهومَ الإجمال، وبيان منشأ الإجمال في الكلام بسبب الإحالة، والأوجه المحتملة بين الترجيح والثراء الدلالي، وتناول من المرجحات الترجيح بالمطابقة، والقرب، واتحاد النسق، والعموم.
ثم جاءت الخاتمة متضمنة أهم نتائج البحث.
ويتألف هذا البحث من مقدمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب، وخاتمة.
تناولت المقدمة أهمية الموضوع والغاية من دراسته، والصعوبات التي واجهته، ومنهجه، والدراسات السابقة في مجاله، ثم بيان فصوله وأهم مباحثه.
أمّا التمهيد فعنوانه «الإحالة: سيرة المصطلح»، وتناول مفهوم الإحالة في اللغة، ثم تتبع استعمال المصطلح قديمًا وحديثًا، ثم تعرض لمورد المصطلح ومقابلاته في اللغات الأوروبية.
وكان الباب الأول بعنوان «الإحالة وإشكال المفهوم»، وحاول أن يخلص المفاهيم المتشابكة لمصطلح (الإحالة) في الدرس اللغوي، فتوصل إلى خمسة مفاهيم أساسية هي: الإحالة التداولية، والإحالة الماصدقية، والإحالة بمعنى إعادة الذكر، والإحالة الافتقارية، والإحالة الكلامية. ثم حدد مفهومًا إجرائيًّا للبحث معتمدًا على مفهوم الإحالة الافتقارية أسماه الإحالة العهدية، وهي في اصطلاح البحث علاقة لغوية بين لفظٍ وضع ليستعمل في الدلالة على مُعَيَّن معهود، وذلك المعهود المعين، بواسطة قرينة العهد.
وكان الباب الثاني بعنوان «أنماط الإحالة في القرآن الكريم» حاول أن يرصد هذه الأنماط بناء على طبيعة قرينة العهد، فجاءت ثلاثةَ أنماطٍ كبرى هي: إحالة العهد الحضوري، وإحالة العهد الذكري، وإحالة العهد الذهني، استقل كل منها بمبحث. وبين البحث خلال ذلك إمكانية تحول العهد من حضوري إلى ذكري أو ذهني بناء على التفريق بين مقام النزول ومقام التلاوة في الخطاب القرآني. كما قسم البحث القرينة الذكرية إلى ملفوظة وملحوظة، وقسم الملفوظة إلى مفردة ومتعددة ومركبة، وقسم الملحوظة من جهة طريقة لحظها إلى ما يفهم بدلالة التضم، وما يفهم بدلالة الالتزام، وما يعتمد على قرينة محيل آخر، والمعنى الكلي للعبارة، ولحظ العلاقات النحوية الدلالية. كما بَيَّنَ روافد العهد الذهني وهي: أسباب النزول، والسير، والسياق العام لنزول القرآن الكريم.
وكان الباب الثالث بعنوان «آثار الإحالة وعلاقاتها النصية في القرآن الكريم»، وتناول ثلاثة آثار مهمة للإحالة هي: التعيين، والربط، والإجمال، استقل كل منها بفصل، وتناول خلال هذه الفصول الثلاثة علاقات الإحالة بظواهر أخرى كالمطابقة والمسافة والتكرار والاستبدال. وقد تناول فصل التعيين عواملَ تحديد درجة التعيين، وعَدَّ منها ما يرجع إلى ماهية المحال إليه، وما يرجع إلى وسيلة إدراكه، وما يرجع إلى حدود التعيين، وما يرجع إلى وجود القرينة وعدمها، وما يرجع إلى احتمال القرينة، وما يرجع إلى كم المعلومات لدى المتلقي عن المحال إليه، ثم تناول إهمال العهد المتحقق، وإهمال العهد المتوقع.
وتناول فصلُ الربط: الربطَ الجُمْلِيّ مركزًا على الربط بغير الضمير من المحيلات، والربطَ النصيَّ مبينًا موقع الإحالة من السبك والحبك، وعلاقتَها بالتكرار والاستبدال، ثم قال بتحليل تطبيقي للربط بالإحالة في سورة الدخان.
وتناول فصلُ الإجمال: مفهومَ الإجمال، وبيان منشأ الإجمال في الكلام بسبب الإحالة، والأوجه المحتملة بين الترجيح والثراء الدلالي، وتناول من المرجحات الترجيح بالمطابقة، والقرب، واتحاد النسق، والعموم.
ثم جاءت الخاتمة متضمنة أهم نتائج البحث.
الاستصحاب في النحو العربي - المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد، فهذا بحث بعنوان « الاستصحاب فى النحو العربى »، والاستصحاب كما عرّفه الأنبارى هو: « إبقاء حال اللفظ على ما يستحقه فى الأصل عند عدم دليل النقل عن الأصل »( ). والمراد بالنحو فى هذا البحث ما يشمل الصرف لا قسيمه، فهو على هذا علمٌ يُعْرَفُ به أحكام الكلم العربية إفرادًا وتركيبًا، أو هو انتحاء سمت كلام العرب فى تصرفه من إعراب وغيره.
والاستصحاب جزء من أصول النحو، وإنَّ لكل علمٍ أصولا لا يستقيم العلم إلا بها، وتوجد هذه الأصول فى عقول أصحاب هذا العلم، وتبرز من آنٍ لآخرَ فى عباراتهم عن مسائل علمهم، واستدلالاتهم على أحكامهم، وتعليلهم لظواهره ـ قبل أن يتاح لها مَنْ يستنبطها ويدونها مَجْمُوعةً فى نسقٍ مبتكر يؤسس به لعلم الجديد.
ولما كان علم النحو من العلوم التى تمثل ركنًا أساسيًا من أركان الثقافة العربية الإسلامية التى تأسست حول القرآن الكريم، وكان لهذا العلم من الأهداف ما جمعه الزجاجى فى « الوصول إلى التكلم بكلام العرب على الحقيقة صوابًا \غيرَ مُبَدَّل ولا مُغَيَّر، وتقويم كتاب الله عز وجل الذى هو أصل الدين والدنيا والمعتمد، ومعرفة أخبار النبى وإقامة معانيها على الحقيقة؛ لأنه لا تفهم معانيها على صحة إلا بتوفيتها حقوقها من الإعراب »( ).
وكان فى النحو ـ باعتباره تحليلا وتقنينًا لبنية اللغة ـ من الصعوبات الواردة من طبيعة المادة المحللة كصعوبة استقرائها استقراءً كاملا، واختلاف وتعدد اللهجات المنسوبة إليها، أو الواردة من طبيعة عملية التحليل نفسها من حيث احتياجُها إلى قدرة عقلية خاصة على التجريد، واختلافُ عقول القائمين بهذه العملية.
أقول: لَمَّا كان النحو بهذه المنزلة قيمةً وصعوبةً كان البحث فى أصوله ضرورةً علميةً لتحقيق هذه القيمة، ومحاولةِ تذليل تلك الصعوبة؛ « إذ إن الأصول هى التى تشكل صورة الفروع، وتحدد لها علاقاتها، وتفسر سماتها، وأيَّةُ محاولةٍ للبدء بالفروع، أو لإغفال امتدادها عن أصولها محاولةٌ غيرُ موضوعيةٍ، ومن ثم غيرُ قادرةٍ على استكشاف أبعادِ الظواهرِ فضلا عن أنْ تستطيع إعادةَ تشكيلها »( ).
ولَمَّا كان أَهَمُّ الأصول النحوية السماعَ والقياسَ والاستصحابَ والإجماعَ، وكان كلٌّ من السماع والقياس قد حظى بكثير من الدراسات المعاصرة، دفعنى ذلك إلى اختيار أحد الأصلين الأخيرين لدرسه تفصيليًّا، وقد اخترت (الاستصحاب) لسببين:
الأول: انتماؤه إلى دائرة النظر العقلى، فى حين ينتمى الإجماع إلى دائرة النقل، ولا يخفى أنَّ النحو فى حقيقته معقول من منقول، فصفة الْمَعْقولِيَّةِ التى تتضمن النظر العقلى هى الوصف الاساسى للنحو، ويأتى قيد "من منقول" لتخصيص الوصف الأول وتوجيهه، فإذا أضيف إلى ذلك أن الإجماع نقلٌ عن أئمة النحو بالدرجة الأولى، وأن المنقول المعتمد فى التقعيد هو النقل عن أصحاب اللغة أنفسهم، مما حدا بإمامٍ كابن جنّى إلى القول بعدم حجية الإجماع وأنّ كل من فُرِقَ له عن علّة صحيحة وطريقٍ نَهِجَةٍ كان خليل نفسه وأبا عمرِو فكرهِ( ) ـ كان البدء ببحث "الاستصحاب" أولى من الناحية العلمية.
والسبب الثانى: ما شاع بين الدارسين من أن استصحاب الحال من أضعف الأدلة، حتى وجدت عدة مؤلفات فى أصول النحو تهملُ الحديث عن الاستصحاب، فكان القيام ببحث حول هذا الأصل يعيد تقويمه من خلال كلام النحاة فى أبواب النحو ومسائله ضرورة علمية، انطلاقًا من فرضية أنَّ الأنبارىَّ ومن بعده السيوطىَّ قد تأثرا فى حديثهما عن الاستصحاب خاصة وأصول النحو عامّة بما ورد فى أصول الفقه مما جعلهما ينقلان أحكامًا لا تتطابق تمام التطابق مع أصول النحو المبثوثة بالفعل فى كلام النحاة. ومن ثمَّ تقتضى النظرة الموضوعية إعادة صياغة هذه الأحكام الأصولية بعد استخلاصها من كلام النحاة فى الفروع.
وهكذا تشكلت لَدَىَّ دوافع اختيار هذا الموضوع.
وقد واجهتنى خلال رحلة البحث مجموعة من الصعوبات أذكر منها ما نبع من خصوصية موضوعه، وهى:
1- قلة ما كتب عن "الاستصحاب" فيما بين أيدينا قديمًا وحديثًا، مما جعل الاعتماد الأساسى فى استخلاص حقائق البحث يقوم على تحليل المادة النحوية التطبيقية لاستخلاص ما يتصل بهذا الجانب النظرى، مما يقتضى الوعى بكل إشارة، وهذا بدوره يحتاج إلى طور الوقوف أمام نصوص النحاة.
2- يضاف إلى ذلك اتساع مجال البحث، فهو لا يتناول شخصية واحدة أو فترة زمنية محددة بل يجوب فى النحو العربى من سيبويه إلى السيوطى والأشمونى.
والحق أنّ هذا الاتساع والتعدد بقدر ما أمدّ البحث بنصوص تعاونت على إكمال الصورة المطلوبة للاستصحاب كان رافدًا ـ من جهة أخرى ـ لقلق علمىّ مشروع، مَبْعَثُهُ الرغبة فى اطراد الفكرة ما أمكن حتى يستقيم القول بأن ثمة أصولا واحدةً سار عليها علماء النحو فى مجموعهم، وإلا انزلقنا إلى خطر القول بأن لكل نحوىٍّ أصولا مخالفة لغيره، إذ لا يعنى ذلك فى حقيقة الأمر إلا عَدَمَ وجودِ أصولٍ مستقرةٍ لهذا العلم، ولا ينفى هذا إمكانيةَ وجودِ خلاف فى مسائل جزئية تتعلق ببعض هذه الأصول وهو ما كشف البحث عن بعضه.
3- وأخيرًا تأتى الصعوبة العامة فى دراسة أصول النحو، وهى التى أشار إليها ابن جنّى فى تعليله لعدم اشتغال سابقيه بها إذ يقول: « وتُرِينى أنَّ تَعْريدَ كلٍّ من الفريق: البصريين والكوفيين عنه، وتحاميهم طريق الإلمام به والخوض فى أدنى أوشاله وخُلُجِهِ، فضلا عن اقتحام غماره ولُجَجِهِ ـ إنما كان لامتناع جانبه، وانتشاره شَعاعه، وبادى تهاجر قوانينه وأوضاعه، وذلك أنّا لم نرَ أحدًا من علماء البلدين تعرض لعمل أصول النحو على مذهب أصول الكلام والفقه »( ).
ولا شك في أن الدراسات السابقة على هذا البحث التى تناولت الاستصحاب قد مدّت له يد العون، وعلى نحو خاص كتاب "الأصول" للأستاذ الدكتور تمام حسّان، حيث كان ـ فيما أعلم ـ أول من تكلم حول الاستصحاب بشىء من التفصيل، وحدد مفهومًا للأصل والعدول والرد.
كما أفدتُ فى تصور أصول النحو عمومًا من كتابين هما: "أصول التفكير النحوىٍّ" للأستاذ الدكتور على أبو المكارم، و"أصول النحو العربى" للدكتور محمد خير الحلوانى، إلىجانب عدد من المؤلفات فى هذا المجال.
وتنبغى الإشارة إلى أنّ هناك بحثًا بعنوان "الاستدلال باستصحاب الحال" للدكتورة يسرية محمد إبراهيم، نشر بمجلة الزهراء الصادرة عن كلية الدراسات العربية فرع البنات بجامعة الأزهر، العدد السادس عشر أوّل ذى القعدة سنة 1418هـ/ 1998م. وقد جاء فى اثنتين وسبعين صفحة مشتملا على مقدمةٍ موجزةٍ عن أدلة النحو، وثلاثةِ مباحث:
الأول: استصحاب الحال لغة واصطلاحًا ومكانته عند النحاة.
والثانى: دراسة مسائل نحوية ورد فيها دليل استصحاب الحال.
والثالث: دراسة مسائل صرفية ورد فيها دليل استصحاب الحال.
وقد جاء المبحث الأول فى وريقات، واستغرق الثانى والثالث جُلَّ البحث، وتناولتْ صاحبته فى المبحث الثانى تسع مسائل وفى المبحث الثالث عشر مسائل.
وهو جهد طيب إلا أنه اقتصر على فكرة الاستدلال بالاستصحاب ولم يتناول تحليل عملية الاستصحاب ومقوماتها، ولا ما يتصل بذلك من بيان مفهوم، وذكر أسباب العدول، وتحديد علاقة الرد إلى الأصل بالاستصحاب، ولا تحليلَ علاقة الاستصحاب بغيره من الأدلة، ولا دَوْرَهُ فى التعليل والتوجيه إلى غير ذلك مما تناولته هذه الرسالة.
أما رسالتى هذه فقد جاءت فى مقدمة وتمهيد وستة فصولٍ وخاتمة.
فأمّا التمهيد فتناولت فيه مفهوم الأصل، فبينت أنه تتعدد مدلولاته فى كلام النحاة وأن الأصل المستصحب يكون بمعنى المستحق بالذات، وبمعنى المتقدم فى الرتبة وقسمت الرتبة إلى رتبة نفسية ورتبة لفظية، وأشرت إلى الفرق بين الحال والأصل، وإلى الفرق بين الأصل المستصحب والأصل بمعنى المقيس عليه. ثم أشرت إلى مفهوم العدول عن الأصل والردّ إليه وتركت التفصيل لموضعه.
وأمّا الفصل الأول فتناولت فيه الاستصحاب فى المؤلفات النحوية متتبعًا له تتبعًا تاريخيًا، وقد اخترت لذلك عددًا من أبرز النحاة، وحاولت خلال هذا العرض أن أتتبع إضافات كلٍّ على ما قدّمهُ سابقوهُ مع العناية بطرق التعبير عن هذا الإجراء ومسائله.
وأما الفصل الثانى فجاء بعنوان "مفهوم الاستصحاب ومقوماتُهُ"، وقد حدّدتُ فيه خمسة مقومات للاستصحاب، وحلّلتها مستخلصا إحدى عشرة صورة له من تطبيقات النحاة وكلامهم فى المسائل، إلى أنْ تَوَصّلْتُ إلى تعريفٍ للاستصحاب جامعٍ لهذه الصور، وذكرت طائفةً من القواعد المنهجية التى تتعلق بعملية الاستصحاب، ثم تعرضت للعلاقة بين الاستصحاب فى الدرس النحو والاستصحاب فى الدرس الفقهى مبينًا الفروق بينها استكمالا لصورته فى النحو.
وأما الفصل الثالث فتناول دور الاستصحاب فى التقعيد والاستدلال، وبينت فيه أن الاستصحاب فى عملية التقعيد تأتى مكانته عقب السماع، ونبّهت على ما يمكن أن يقع من تداخل بين الأصل المستصحب والقاعدة والكلية. وأما دوره فى الاستدلال فبينت فيه علاقته بالأدلة الأخرى تمهيدًا لتحديد قوته فى الاستدلال وقد توصلت إلى أن له دورًا بارزًا فى عملية الاستدلال، وأنه وإن كان نظريًا أضعف من السماع والقياس ـ فإنه على المستوى التطبيقى قد يتقدم على أحدهما، وعلى هذا ينبغى عدم التسليم للمقولة التى أشاعها الأنبارى وهى: أن الاستصحاب من أضعف الأدلة. ثم عرضت لأبرز المسائل التى استعمل فيها الاستصحاب فى الاستدلال.
وجاء الفصل الرابع متممًا لدور الاستصحاب فى الفكر النحوى من خلال استعراض دوره فى التعليل والتوجيه، وقد استدعى بيان دوره فى التعليل ذِكْرَى تقسيمات العلة عند النحاة، ثم ذكرت عددًا من المسائل التى يظهر فيها دور الاستصحاب فى التعليل، وكذلك عرضت للمسائل التى يبرز فيها دوره فى التوجيه.
وأما الفصل الخامس فهو بعنوان "العدول عن الأصل"، وقد تناول أنواع العدول، فهناك عدول مطردٌ وعدول غيرُ مطردٍ، ووسائلَ العدولِ، ثمَّ عرض بشىء من التفصيل لأسباب العدول، وقد قسّمتها إلى أسباب لفظية وأسباب معنوية.
وأمّا الفصل السادس فهو بعنوان "الردّ إلى الأصل"، وقد قسّمتُ فيه الردّ إلى: ردٍّ لفظى، وردٍّ ذهنىٍّ، وبينت فيه المراد من بالردّ من الأصل بنوعيه مفرقًا بينه وبين التأويل، ومبينًا علاقة هذا الإجراء بالاستصحاب وقوة ارتباطه به.
وأمّا الخاتمة فتضمّنت أهم النتائج.
هذا وقد كان معتمدى فى هذا البحث على نوعين من المصادر؛ الأول: كتب أصول النحو كالخصائص لابن جنّى، والإغراب ولمع الأدلة للأنبارى، والاقتراح للسيوطى. والثانى: كتب النحو العربى التى تتناول أبوابه ومسائله، فمنها استخلصت ما فى هذا البحث من مفاهيم وتعريفات وتقسيمات وأحكام، وأكثر ما اعتمدت عليه منها كتاب سيبويه، والمقتضب للمبرد، والأصول فى النحو لابن السّراج والمنصف لابن جنّى والإنصاف للأنبارى، واللّباب فى علل البناء والإعراب للعكبرى، وشرح المفصل لابن يعيش، وشرح التسهيل لابن مالك، والممتع والمقرب لابن عصفور، وشرح الكافية وشرح الشافية لرضى الدين الإستراباذى، ومغنى اللبيب لابن هشام، وهمع الهوامع والأشباه والنظائر للسيوطى، وشرح الأشمونى على ألفية ابن مالك، إلى جانب طائفةٍ أخرى من الكتب النحوية تأتى فى قائمة المصادر والمراجع.
وقد قمت بجمع المسائل من هذه الكتب، ثمّ تحليلها لاستخلاص عناصرها الأولى، ثمّ إعادة تركيبها فى بناء نظرى، وهى محاولة لصياغة جانب من أصول النحو صياغة قائمة على استنباط الأصول من الفروع لا على نقل أصول علمٍ آخر والتمثيل لها من العلم المؤصّلِ له.
فإن كنت قد أصبت منهجا وتطبيقًا فهذا ما أرجوه خدمةً لعلمٍ قام خدمةً لكتاب الله تعالى، وإن كنت قد أخطأت فى أحدهما أو كليهما فمن الله أسأل العفو والهداية، ومن أهل العلم ألتمس المسامحة والإرشاد، وأسل الله الأحد الصمد أن يجعل عملى هذا خالصًا لوجهه الكريم.
{ وما توفيقى إلَّا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب }
تامر أنيس
وبعد، فهذا بحث بعنوان « الاستصحاب فى النحو العربى »، والاستصحاب كما عرّفه الأنبارى هو: « إبقاء حال اللفظ على ما يستحقه فى الأصل عند عدم دليل النقل عن الأصل »( ). والمراد بالنحو فى هذا البحث ما يشمل الصرف لا قسيمه، فهو على هذا علمٌ يُعْرَفُ به أحكام الكلم العربية إفرادًا وتركيبًا، أو هو انتحاء سمت كلام العرب فى تصرفه من إعراب وغيره.
والاستصحاب جزء من أصول النحو، وإنَّ لكل علمٍ أصولا لا يستقيم العلم إلا بها، وتوجد هذه الأصول فى عقول أصحاب هذا العلم، وتبرز من آنٍ لآخرَ فى عباراتهم عن مسائل علمهم، واستدلالاتهم على أحكامهم، وتعليلهم لظواهره ـ قبل أن يتاح لها مَنْ يستنبطها ويدونها مَجْمُوعةً فى نسقٍ مبتكر يؤسس به لعلم الجديد.
ولما كان علم النحو من العلوم التى تمثل ركنًا أساسيًا من أركان الثقافة العربية الإسلامية التى تأسست حول القرآن الكريم، وكان لهذا العلم من الأهداف ما جمعه الزجاجى فى « الوصول إلى التكلم بكلام العرب على الحقيقة صوابًا \غيرَ مُبَدَّل ولا مُغَيَّر، وتقويم كتاب الله عز وجل الذى هو أصل الدين والدنيا والمعتمد، ومعرفة أخبار النبى وإقامة معانيها على الحقيقة؛ لأنه لا تفهم معانيها على صحة إلا بتوفيتها حقوقها من الإعراب »( ).
وكان فى النحو ـ باعتباره تحليلا وتقنينًا لبنية اللغة ـ من الصعوبات الواردة من طبيعة المادة المحللة كصعوبة استقرائها استقراءً كاملا، واختلاف وتعدد اللهجات المنسوبة إليها، أو الواردة من طبيعة عملية التحليل نفسها من حيث احتياجُها إلى قدرة عقلية خاصة على التجريد، واختلافُ عقول القائمين بهذه العملية.
أقول: لَمَّا كان النحو بهذه المنزلة قيمةً وصعوبةً كان البحث فى أصوله ضرورةً علميةً لتحقيق هذه القيمة، ومحاولةِ تذليل تلك الصعوبة؛ « إذ إن الأصول هى التى تشكل صورة الفروع، وتحدد لها علاقاتها، وتفسر سماتها، وأيَّةُ محاولةٍ للبدء بالفروع، أو لإغفال امتدادها عن أصولها محاولةٌ غيرُ موضوعيةٍ، ومن ثم غيرُ قادرةٍ على استكشاف أبعادِ الظواهرِ فضلا عن أنْ تستطيع إعادةَ تشكيلها »( ).
ولَمَّا كان أَهَمُّ الأصول النحوية السماعَ والقياسَ والاستصحابَ والإجماعَ، وكان كلٌّ من السماع والقياس قد حظى بكثير من الدراسات المعاصرة، دفعنى ذلك إلى اختيار أحد الأصلين الأخيرين لدرسه تفصيليًّا، وقد اخترت (الاستصحاب) لسببين:
الأول: انتماؤه إلى دائرة النظر العقلى، فى حين ينتمى الإجماع إلى دائرة النقل، ولا يخفى أنَّ النحو فى حقيقته معقول من منقول، فصفة الْمَعْقولِيَّةِ التى تتضمن النظر العقلى هى الوصف الاساسى للنحو، ويأتى قيد "من منقول" لتخصيص الوصف الأول وتوجيهه، فإذا أضيف إلى ذلك أن الإجماع نقلٌ عن أئمة النحو بالدرجة الأولى، وأن المنقول المعتمد فى التقعيد هو النقل عن أصحاب اللغة أنفسهم، مما حدا بإمامٍ كابن جنّى إلى القول بعدم حجية الإجماع وأنّ كل من فُرِقَ له عن علّة صحيحة وطريقٍ نَهِجَةٍ كان خليل نفسه وأبا عمرِو فكرهِ( ) ـ كان البدء ببحث "الاستصحاب" أولى من الناحية العلمية.
والسبب الثانى: ما شاع بين الدارسين من أن استصحاب الحال من أضعف الأدلة، حتى وجدت عدة مؤلفات فى أصول النحو تهملُ الحديث عن الاستصحاب، فكان القيام ببحث حول هذا الأصل يعيد تقويمه من خلال كلام النحاة فى أبواب النحو ومسائله ضرورة علمية، انطلاقًا من فرضية أنَّ الأنبارىَّ ومن بعده السيوطىَّ قد تأثرا فى حديثهما عن الاستصحاب خاصة وأصول النحو عامّة بما ورد فى أصول الفقه مما جعلهما ينقلان أحكامًا لا تتطابق تمام التطابق مع أصول النحو المبثوثة بالفعل فى كلام النحاة. ومن ثمَّ تقتضى النظرة الموضوعية إعادة صياغة هذه الأحكام الأصولية بعد استخلاصها من كلام النحاة فى الفروع.
وهكذا تشكلت لَدَىَّ دوافع اختيار هذا الموضوع.
وقد واجهتنى خلال رحلة البحث مجموعة من الصعوبات أذكر منها ما نبع من خصوصية موضوعه، وهى:
1- قلة ما كتب عن "الاستصحاب" فيما بين أيدينا قديمًا وحديثًا، مما جعل الاعتماد الأساسى فى استخلاص حقائق البحث يقوم على تحليل المادة النحوية التطبيقية لاستخلاص ما يتصل بهذا الجانب النظرى، مما يقتضى الوعى بكل إشارة، وهذا بدوره يحتاج إلى طور الوقوف أمام نصوص النحاة.
2- يضاف إلى ذلك اتساع مجال البحث، فهو لا يتناول شخصية واحدة أو فترة زمنية محددة بل يجوب فى النحو العربى من سيبويه إلى السيوطى والأشمونى.
والحق أنّ هذا الاتساع والتعدد بقدر ما أمدّ البحث بنصوص تعاونت على إكمال الصورة المطلوبة للاستصحاب كان رافدًا ـ من جهة أخرى ـ لقلق علمىّ مشروع، مَبْعَثُهُ الرغبة فى اطراد الفكرة ما أمكن حتى يستقيم القول بأن ثمة أصولا واحدةً سار عليها علماء النحو فى مجموعهم، وإلا انزلقنا إلى خطر القول بأن لكل نحوىٍّ أصولا مخالفة لغيره، إذ لا يعنى ذلك فى حقيقة الأمر إلا عَدَمَ وجودِ أصولٍ مستقرةٍ لهذا العلم، ولا ينفى هذا إمكانيةَ وجودِ خلاف فى مسائل جزئية تتعلق ببعض هذه الأصول وهو ما كشف البحث عن بعضه.
3- وأخيرًا تأتى الصعوبة العامة فى دراسة أصول النحو، وهى التى أشار إليها ابن جنّى فى تعليله لعدم اشتغال سابقيه بها إذ يقول: « وتُرِينى أنَّ تَعْريدَ كلٍّ من الفريق: البصريين والكوفيين عنه، وتحاميهم طريق الإلمام به والخوض فى أدنى أوشاله وخُلُجِهِ، فضلا عن اقتحام غماره ولُجَجِهِ ـ إنما كان لامتناع جانبه، وانتشاره شَعاعه، وبادى تهاجر قوانينه وأوضاعه، وذلك أنّا لم نرَ أحدًا من علماء البلدين تعرض لعمل أصول النحو على مذهب أصول الكلام والفقه »( ).
ولا شك في أن الدراسات السابقة على هذا البحث التى تناولت الاستصحاب قد مدّت له يد العون، وعلى نحو خاص كتاب "الأصول" للأستاذ الدكتور تمام حسّان، حيث كان ـ فيما أعلم ـ أول من تكلم حول الاستصحاب بشىء من التفصيل، وحدد مفهومًا للأصل والعدول والرد.
كما أفدتُ فى تصور أصول النحو عمومًا من كتابين هما: "أصول التفكير النحوىٍّ" للأستاذ الدكتور على أبو المكارم، و"أصول النحو العربى" للدكتور محمد خير الحلوانى، إلىجانب عدد من المؤلفات فى هذا المجال.
وتنبغى الإشارة إلى أنّ هناك بحثًا بعنوان "الاستدلال باستصحاب الحال" للدكتورة يسرية محمد إبراهيم، نشر بمجلة الزهراء الصادرة عن كلية الدراسات العربية فرع البنات بجامعة الأزهر، العدد السادس عشر أوّل ذى القعدة سنة 1418هـ/ 1998م. وقد جاء فى اثنتين وسبعين صفحة مشتملا على مقدمةٍ موجزةٍ عن أدلة النحو، وثلاثةِ مباحث:
الأول: استصحاب الحال لغة واصطلاحًا ومكانته عند النحاة.
والثانى: دراسة مسائل نحوية ورد فيها دليل استصحاب الحال.
والثالث: دراسة مسائل صرفية ورد فيها دليل استصحاب الحال.
وقد جاء المبحث الأول فى وريقات، واستغرق الثانى والثالث جُلَّ البحث، وتناولتْ صاحبته فى المبحث الثانى تسع مسائل وفى المبحث الثالث عشر مسائل.
وهو جهد طيب إلا أنه اقتصر على فكرة الاستدلال بالاستصحاب ولم يتناول تحليل عملية الاستصحاب ومقوماتها، ولا ما يتصل بذلك من بيان مفهوم، وذكر أسباب العدول، وتحديد علاقة الرد إلى الأصل بالاستصحاب، ولا تحليلَ علاقة الاستصحاب بغيره من الأدلة، ولا دَوْرَهُ فى التعليل والتوجيه إلى غير ذلك مما تناولته هذه الرسالة.
أما رسالتى هذه فقد جاءت فى مقدمة وتمهيد وستة فصولٍ وخاتمة.
فأمّا التمهيد فتناولت فيه مفهوم الأصل، فبينت أنه تتعدد مدلولاته فى كلام النحاة وأن الأصل المستصحب يكون بمعنى المستحق بالذات، وبمعنى المتقدم فى الرتبة وقسمت الرتبة إلى رتبة نفسية ورتبة لفظية، وأشرت إلى الفرق بين الحال والأصل، وإلى الفرق بين الأصل المستصحب والأصل بمعنى المقيس عليه. ثم أشرت إلى مفهوم العدول عن الأصل والردّ إليه وتركت التفصيل لموضعه.
وأمّا الفصل الأول فتناولت فيه الاستصحاب فى المؤلفات النحوية متتبعًا له تتبعًا تاريخيًا، وقد اخترت لذلك عددًا من أبرز النحاة، وحاولت خلال هذا العرض أن أتتبع إضافات كلٍّ على ما قدّمهُ سابقوهُ مع العناية بطرق التعبير عن هذا الإجراء ومسائله.
وأما الفصل الثانى فجاء بعنوان "مفهوم الاستصحاب ومقوماتُهُ"، وقد حدّدتُ فيه خمسة مقومات للاستصحاب، وحلّلتها مستخلصا إحدى عشرة صورة له من تطبيقات النحاة وكلامهم فى المسائل، إلى أنْ تَوَصّلْتُ إلى تعريفٍ للاستصحاب جامعٍ لهذه الصور، وذكرت طائفةً من القواعد المنهجية التى تتعلق بعملية الاستصحاب، ثم تعرضت للعلاقة بين الاستصحاب فى الدرس النحو والاستصحاب فى الدرس الفقهى مبينًا الفروق بينها استكمالا لصورته فى النحو.
وأما الفصل الثالث فتناول دور الاستصحاب فى التقعيد والاستدلال، وبينت فيه أن الاستصحاب فى عملية التقعيد تأتى مكانته عقب السماع، ونبّهت على ما يمكن أن يقع من تداخل بين الأصل المستصحب والقاعدة والكلية. وأما دوره فى الاستدلال فبينت فيه علاقته بالأدلة الأخرى تمهيدًا لتحديد قوته فى الاستدلال وقد توصلت إلى أن له دورًا بارزًا فى عملية الاستدلال، وأنه وإن كان نظريًا أضعف من السماع والقياس ـ فإنه على المستوى التطبيقى قد يتقدم على أحدهما، وعلى هذا ينبغى عدم التسليم للمقولة التى أشاعها الأنبارى وهى: أن الاستصحاب من أضعف الأدلة. ثم عرضت لأبرز المسائل التى استعمل فيها الاستصحاب فى الاستدلال.
وجاء الفصل الرابع متممًا لدور الاستصحاب فى الفكر النحوى من خلال استعراض دوره فى التعليل والتوجيه، وقد استدعى بيان دوره فى التعليل ذِكْرَى تقسيمات العلة عند النحاة، ثم ذكرت عددًا من المسائل التى يظهر فيها دور الاستصحاب فى التعليل، وكذلك عرضت للمسائل التى يبرز فيها دوره فى التوجيه.
وأما الفصل الخامس فهو بعنوان "العدول عن الأصل"، وقد تناول أنواع العدول، فهناك عدول مطردٌ وعدول غيرُ مطردٍ، ووسائلَ العدولِ، ثمَّ عرض بشىء من التفصيل لأسباب العدول، وقد قسّمتها إلى أسباب لفظية وأسباب معنوية.
وأمّا الفصل السادس فهو بعنوان "الردّ إلى الأصل"، وقد قسّمتُ فيه الردّ إلى: ردٍّ لفظى، وردٍّ ذهنىٍّ، وبينت فيه المراد من بالردّ من الأصل بنوعيه مفرقًا بينه وبين التأويل، ومبينًا علاقة هذا الإجراء بالاستصحاب وقوة ارتباطه به.
وأمّا الخاتمة فتضمّنت أهم النتائج.
هذا وقد كان معتمدى فى هذا البحث على نوعين من المصادر؛ الأول: كتب أصول النحو كالخصائص لابن جنّى، والإغراب ولمع الأدلة للأنبارى، والاقتراح للسيوطى. والثانى: كتب النحو العربى التى تتناول أبوابه ومسائله، فمنها استخلصت ما فى هذا البحث من مفاهيم وتعريفات وتقسيمات وأحكام، وأكثر ما اعتمدت عليه منها كتاب سيبويه، والمقتضب للمبرد، والأصول فى النحو لابن السّراج والمنصف لابن جنّى والإنصاف للأنبارى، واللّباب فى علل البناء والإعراب للعكبرى، وشرح المفصل لابن يعيش، وشرح التسهيل لابن مالك، والممتع والمقرب لابن عصفور، وشرح الكافية وشرح الشافية لرضى الدين الإستراباذى، ومغنى اللبيب لابن هشام، وهمع الهوامع والأشباه والنظائر للسيوطى، وشرح الأشمونى على ألفية ابن مالك، إلى جانب طائفةٍ أخرى من الكتب النحوية تأتى فى قائمة المصادر والمراجع.
وقد قمت بجمع المسائل من هذه الكتب، ثمّ تحليلها لاستخلاص عناصرها الأولى، ثمّ إعادة تركيبها فى بناء نظرى، وهى محاولة لصياغة جانب من أصول النحو صياغة قائمة على استنباط الأصول من الفروع لا على نقل أصول علمٍ آخر والتمثيل لها من العلم المؤصّلِ له.
فإن كنت قد أصبت منهجا وتطبيقًا فهذا ما أرجوه خدمةً لعلمٍ قام خدمةً لكتاب الله تعالى، وإن كنت قد أخطأت فى أحدهما أو كليهما فمن الله أسأل العفو والهداية، ومن أهل العلم ألتمس المسامحة والإرشاد، وأسل الله الأحد الصمد أن يجعل عملى هذا خالصًا لوجهه الكريم.
{ وما توفيقى إلَّا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب }
تامر أنيس
الاستصحاب في النحو العربي - ملخص
هذا بحث بعنوان "الاستصحاب في النحو العربي"، والاستصحاب إجراء من إجراءات الفكر النحوي، وقد بَيَّن البحث معنى الأصل المستصحب وحدده في أمرين: ما يستحقه الشيء بذاته، والمتقدم في الرتبة، ثم تتبع الاستصحاب تاريخيًّا عبر المؤلفات النحوية من سيبويه إلى السيوطي، وسجل العبارات المختلفة التي استعملت في التعبير عنه، وقرر أنَّ أوَّل من استعمل مصطلح الاستصحاب من النحاة هو أبو البركات الأنباري.
ثم انتقل البحث إلى تحليل عملية الاستصحاب فرصد لها خمسَ مقوِّمات، وهي:
1- وجود أصل للفظ.
2- اعتبار حالين لهذا اللفظ.
3- انتقال ذهني أو لفظي من الحال الأولى إلى الثانية.
4- إبقاء أو مراعاة للأصل في الحال الثانية.
5- عدم وجود دليل أو علة للعدول عن الأصل.
وحلَّلَها ليصلَ إلى تعريفه بأنه « الإبقاء على صورة الأصل أو حكمه، أو مراعاتُه في الحال الثانية إثباتًا ونفيًا دون دليل خارج، وكذا مراعاة أصالته في إثبات حكم له »، وبَيَّن أنَّ هناك فرقًا بين الاستصحاب النحوي والاستصحاب في أصول الفقه.
ثم تناول دوره في الفكر النحوي فبَيَّنَ أنَّه في مسار التقعيد يأتي عقب السماع وأنه كان الدافع وراء تجريد الأصول التي ساهمت في بناء الهيكل البنيوي للنحو العربي. وفي مسار الاستدلال توصل إلى أنَّه مُصافٌّ للسماع والقياس في التطبيق، وإن كان يأتي بعدهما على المستوى النظري، وعلى هذا فإطلاق أنَّ الاستصحاب من أضعف الأدلة غير صحيح. كما بيّن البحث دور الاستصحاب في مساري التعليل والتوجيه موضحًا ذلك كله بعدد من المسائل النحوية.
وبعد ذلك تعرض البحث لإجرائين متصلين بالاستصحاب اتصالاً قويًّا، أمَّا أحدهما فهو العدول عن الأصل وهو الإجراء المقابل للاستصحاب وكان التركيز في تناوله على أسباب العدول؛ لأنها تمثل المعارض للاستصحاب الذي يمكن أنْ يؤدي إلى إبطاله وقد قسمها إلى أسباب لفظية وأسباب معنوية. وأما الثاني فهو الرد إلى الأصل وهو الإجراء المكمّل للاستصحاب، وقد قُسِّمَ إلى ردِّ لفظيٍّ، وردِّ ذهنيٍّ، وقد جاء متأخرًا عن العدول لأنه لا يكون إلا إذا وجد العدول.
وقد بين البحث مفهوم كلٍّ من الردين وعلاقته بالاستصحاب، وعلاقة الرد إلى الأصل بالتأويل.
ثم جاءت الخاتمة لتبين أهم ما توصل إليه البحث من نتائج.
أما فصول البحث فجاءت على النحو التالي:
الفصل الأول: الاستصحاب في المؤلفات النحوية (عرض تاريخي).
الفصل الثاني: مفهوم الاستصحاب ومقوماته.
الفصل الثالث: دور الاستصحاب في التقعيد والاستدلال.
الفصل الرابع: دور الاستصحاب في التعليل والتوجيه.
الفصل الخامس: العدول عن الصل.
الفصل السادس: الرد إلى الأصل.
ثم انتقل البحث إلى تحليل عملية الاستصحاب فرصد لها خمسَ مقوِّمات، وهي:
1- وجود أصل للفظ.
2- اعتبار حالين لهذا اللفظ.
3- انتقال ذهني أو لفظي من الحال الأولى إلى الثانية.
4- إبقاء أو مراعاة للأصل في الحال الثانية.
5- عدم وجود دليل أو علة للعدول عن الأصل.
وحلَّلَها ليصلَ إلى تعريفه بأنه « الإبقاء على صورة الأصل أو حكمه، أو مراعاتُه في الحال الثانية إثباتًا ونفيًا دون دليل خارج، وكذا مراعاة أصالته في إثبات حكم له »، وبَيَّن أنَّ هناك فرقًا بين الاستصحاب النحوي والاستصحاب في أصول الفقه.
ثم تناول دوره في الفكر النحوي فبَيَّنَ أنَّه في مسار التقعيد يأتي عقب السماع وأنه كان الدافع وراء تجريد الأصول التي ساهمت في بناء الهيكل البنيوي للنحو العربي. وفي مسار الاستدلال توصل إلى أنَّه مُصافٌّ للسماع والقياس في التطبيق، وإن كان يأتي بعدهما على المستوى النظري، وعلى هذا فإطلاق أنَّ الاستصحاب من أضعف الأدلة غير صحيح. كما بيّن البحث دور الاستصحاب في مساري التعليل والتوجيه موضحًا ذلك كله بعدد من المسائل النحوية.
وبعد ذلك تعرض البحث لإجرائين متصلين بالاستصحاب اتصالاً قويًّا، أمَّا أحدهما فهو العدول عن الأصل وهو الإجراء المقابل للاستصحاب وكان التركيز في تناوله على أسباب العدول؛ لأنها تمثل المعارض للاستصحاب الذي يمكن أنْ يؤدي إلى إبطاله وقد قسمها إلى أسباب لفظية وأسباب معنوية. وأما الثاني فهو الرد إلى الأصل وهو الإجراء المكمّل للاستصحاب، وقد قُسِّمَ إلى ردِّ لفظيٍّ، وردِّ ذهنيٍّ، وقد جاء متأخرًا عن العدول لأنه لا يكون إلا إذا وجد العدول.
وقد بين البحث مفهوم كلٍّ من الردين وعلاقته بالاستصحاب، وعلاقة الرد إلى الأصل بالتأويل.
ثم جاءت الخاتمة لتبين أهم ما توصل إليه البحث من نتائج.
أما فصول البحث فجاءت على النحو التالي:
الفصل الأول: الاستصحاب في المؤلفات النحوية (عرض تاريخي).
الفصل الثاني: مفهوم الاستصحاب ومقوماته.
الفصل الثالث: دور الاستصحاب في التقعيد والاستدلال.
الفصل الرابع: دور الاستصحاب في التعليل والتوجيه.
الفصل الخامس: العدول عن الصل.
الفصل السادس: الرد إلى الأصل.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)