الأحد، 8 يوليو 2012
لذَّةُ المعرفة
يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر:
«وليس في الدنيا على الحقيقة لذة إنما هي راحة من مؤلم»،
وما من شكٍّ في أنَّه يقصد اللذة الحسية، أمَّا اللذائذ النفسية والروحية
فلا تخلو منها الحياة، وقد تكلم الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين
عن هذه اللذائذ المعنوية التي يستشعرها القلب؛ لأنّه يدرك المعاني التي ليست بمادية محسوسة، وهذه القدرة التي للقلب هي غريزة فيه، ولذة كل غريزة في نيلها لمقتضى طبعها الذي خُلِقَتْ له، وغريزة إدراك المعاني التي في القلب خُلِقَتْ لِيُعلَمَ بها حقائق الأمور كلها، فمقتضى طبعها المعرفة والعلم وهي لذَّتُها، والدليل على أنَّ في العلم والمعرفة لذةً، أنَّ الذي يُنسَبُ إلى العلم والمعرفة ولو في شيء خسيس يفرح به، والذي يُنْسَبُ إلى الجهل ولو في أمرٍ حقيرٍ يغتمُّ به، وأنَّ الإنسان لا يكاد يصبر على التَّحدِّي بالعلم والتمدُّح به في الأشياء الحقيرة، وكل ذلك لفرط لذة العلم، وما يستشعره المرء من كمال ذاته به.
وهذه اللذة لذة حقيقية لأنَّها تتعلق بالقلب، وهو مكمن السعادة والشقاء على الحقيقة، وتتدرج هذه اللذة في القوة على حسب موضوع المعرفة، حتى يكون أعلاها درجة معرفةَ الله عز وجل، والأنس به، وتبدأ من المعارف المتعلقة بالمخلوقات وقوانين حياتها.
إنَّ طالب العلم الذي يعطي قلبَه حظًّا من التأمل فيما يدرس يستشعر قدرا من المتعة والتلذذ يكفي أن يكون دافعا له على مواصلة الدرس والتحصيل، بنهم لا ينقطع، وقد ورد في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه: «منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب مال»، لكن للأسف الشديد كثير من الطلاب اليوم لا يدرك من العملية التعليمية إلا التعب البدني والحرمان من اللذائذ الحسية المتوهمة.
فهيا بنا جميعا نقتنص الفرصة السانحة، ونتعلم حين نتعلم ونحن منصتون إلى صوت القلب الذي يدعونا إلى إشباع رغبته في العلم والمعرفة، فلا تطغى عليه المقاصد الدنيوية من خوف الامتحانات والحصول على الشهادات، لتبقى لذة المعرفة وقودا دافعا لنا ونبراسًا نستهدي به.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق