الحياء خلق إسلامي رفيع، حث عليه ديننا الحنيف، وجعله نبيُّنا الكريم B من الإيمان، إذ قال: «الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شُعبة، فأفضلها قول لا إله إلا اللَّـه، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان» [متفق عليه]. وقال B: «الحياء خير كله». وهذا الخُلُق يعد مظهرًا لعِفة النفس، واستقامة السلوك، ومن ثَمَّ خَصَّه النبي B بالذكر من بين شعب الإيمان المتوسطة بين أعلاها وأدناها، وإن المجتمع الذي يسود فيه خلق الحياء مجتمع متقدم بالمعنى الحقيقي للتقدم الذي غفلنا عنه تحت وطأة الفكر الغربي الذي وقعنا في أسره منذ زمن بعيد، ولمن شاء أن يقارن بين سلوك شبابنا اليوم وما هم عليه في مجموعهم من الاختلاط الفج وغير المنضبط الذي يؤدي إلى صور منافية للحياء من كل وجه، وبين قصة موسى عليه السلام مع فتاتي مدين، وكيف وجدهما بعيدتين عن القوم لم تزاحماهم على الماء ﴿وجد من دونهمُ امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلَيَّ من خير فقير» إنه لم يستغل الفرصة ولم يطل الكلام والحديث ولم يعرض عليهما أن يبلِّغها إلى البيت لم يكن منه إلا أن قدم ما عجزتا عنه في مروءة مغلفة بالحياء والعفة، ثم لما جاءته إحداهما جاءته على استحياء، ولم تكثر معه الحديث، وإنما اقتصرت على بضع كلمات هي رسالة موجزة من أبيها، قال تعالى: «وجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت: إنَّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا﴾، إنه خلق الحياء الذي يحكم سلوكها في كل وقت، وما قدمته صورة واحدة من صور الحياء، وهناك صور أخرى للحياء من أهمها حياء المسلم من ربه.
عبر الجنيد عن منشأ الحياء من اللَّـه بقوله: «الحياءُ رؤية الآلاء ـ أي النعم ـ ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى حياءً».
وقد روي عن النبي B أنه قال: «استحيوا من اللَّـه حق الحياء .. قالوا: إنّا نستحيي يا نبيّ اللَّـه والحمد لله، قال: ليس ذلك، ولكن من استحيا من اللَّـه حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى واليحفظط البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من اللَّـه حق الحياء».